الأداء أم السلوك- أيّهما أهمّ في تقييم الموظفين؟

المؤلف: سامي الدجوي10.05.2025
الأداء أم السلوك- أيّهما أهمّ في تقييم الموظفين؟

هل تساءلت يومًا عن الطريقة المثلى لتقويم الأفراد في محيط العمل؟ هل الأجدر أن نعتمد على مقاييس واضحة ومحددة، أم نتبع إحساسنا وحدسنا؟ تجيب عن هذا التساؤل المحوري دراسة علمية قيمة، صدرت عام 1993 تحت عنوان: «نصف دقيقة: التنبؤ بتقييمات المعلمين من خلال لمحات خاطفة من سلوكهم غير اللفظي وجاذبيتهم الجسدية». قامت الدكتورة ناليني أمبادي من جامعة هارفارد والدكتور روبرت روزنتال من جامعة كاليفورنيا بهذه الدراسة، حيث أجريا تجربة عملية شملت مجموعة من المشاركين. عرض الباحثان مقاطع فيديو وجيزة (لا تتجاوز 30 ثانية لكل مقطع) لمعلمين من شتى التخصصات، يقدم كل منهم شرحًا مقتضبًا لمادة تخصصه. ثم طُلب من المشاركين تقييم أداء كل معلم بعد مشاهدة المقطع، وذلك بالإجابة على سؤال جامع: هل تفضل أن يدرس ابنك أو ابنتك لدى هذا المعلم؟ وما الأسباب التي تدفعك لهذا الاختيار؟

عند مقارنة تقييمات المشاركين بتقييمات الطلاب الذين تلقوا العلم على يد هؤلاء المعلمين فعليًا، اكتشف الباحثان تباينًا ملحوظًا بين التقييمين، بل وفي بعض الأحيان تباينًا معاكسًا. ما السبب وراء ذلك؟ بعد دراسة متأنية وتفكر عميق في دواعي هذا الاختلاف، كشفت النتائج أن المشاركين في البحث ركزوا في تقييمهم على الأداء الظاهر للمعلمين، مثل كمية المعلومات المقدمة، واستراتيجيات التدريس المتبعة، وأسلوب الشرح. بينما ارتكز تقييم الطلاب بشكل أكبر على سلوك المعلمين تجاههم، مثل التشجيع، والصبر، وتفهم الاحتياجات الفردية لكل طالب. فأي التقييمين تراه أكثر عدلًا وموضوعية؟

تجيبنا كتب علم الإدارة على هذا التساؤل الجوهري بأن الحل الأمثل يكمن في الجمع بين تقييم الأداء وتقييم السلوك. فالكل يبحث لأبنائه عن معلم متمكن من مادته العلمية، وبارع في توصيل المعلومة، ويتمتع بأسلوب مشوق وجذاب، وفي الوقت ذاته يكون محفزًا وصبورًا ومتعاونًا مع طلابه. بيد أن الواقع العملي يشير إلى ندرة اجتماع هذه الصفات كلها في شخص واحد. وهنا تظهر المفاضلة بين الأداء والسلوك، فأيهما نختار؟ تؤكد الدراسات والتجارب العملية أن السلوك الإيجابي له الأولوية على الأداء الوظيفي. وهذا لا يعني إهمال الأداء بشكل كامل، فهو عنصر أساسي في نجاح المؤسسة واستمرارها، ولكن المقصود أنه إذا خيرت بين شخصين: أحدهما يتميز بأداء وظيفي ممتاز وسلوك جيد، والآخر يتمتع بأداء جيد وسلوك ممتاز، فإن اختيار الشخص الثاني هو الخيار الأفضل والأكثر حكمة.

قد يتساءل بعض القراء الأعزاء عن الأسباب التي تدعو إلى تفضيل السلوك على الأداء. والإجابة العلمية والعملية تكشف عن وجود أسباب عديدة، نذكر منها ما يلي: 1) السلوك الإيجابي يسهم في بناء الثقة والولاء بين الموظفين، مما يؤدي إلى تحقيق النجاح المؤسسي المستدام. 2) الموظفون الذين يتحلون بسلوكيات إيجابية غالبًا ما يمتلكون مهارات قيادية تمكنهم من تحفيز الآخرين وقيادة الفرق بفاعلية واقتدار. 3) هؤلاء الموظفون يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في الحد من النزاعات الداخلية وحل المشكلات بطريقة بناءة وإيجابية. لهذه الأسباب الجوهرية وغيرها، يصبح تقييم الموظفين تقييمًا عادلاً ومفيدًا للمنظمة ومنتسبيها.

وخلاصة لما تقدم، تؤكد الدراسات أن تغليب السلوك الإيجابي على الأداء الوظيفي هو الخيار الأمثل والأسلم، إذ أن السلوك الحسن يبني الثقة، ويعزز روح القيادة، ويقلل من الخلافات والنزاعات، مما يدعم نجاح المؤسسات واستدامتها على المدى الطويل. لذا، عند الاختيار، يفضل الأشخاص الذين يتميزون بسلوك راق حتى لو كان أداؤهم الوظيفي متفاوتًا. أخيرًا، الأداء المتميز يحقق إنجازات للوطن، والسلوك الإيجابي يرسخ القيم النبيلة في المجتمع. ولكي نبني وطنًا راسخًا على أسس متينة من القيم، فلنختر قادة يكونون قدوة حسنة في سلوكهم وملهمين في أدائهم، لترتقي مؤسساتنا ويزدهر وطننا الغالي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة